دفعت الأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس بالعديد من الدول الأوروبية إلى خطب ود الأجهزة الأمنية المغربية، لتبادل المعلومات حول العناصر الإرهابية المتواجدة في أوروبا.
وبعد أن كانت بعض الدول الأوروبية تلمح إلى وجود تعاون بينها وبين المغرب في ما يتعلق بالتنسيق الأمني ضد الإرهاب، لجأت في الآونة الأخيرة إلى التصريح بأهمية المملكة ومعلوماتها الأمنية لمواجهة "دواعش" القارة العجوز.
وكانت إسبانيا أول بلد أوروبي يقر علانية بأهمية التعاون الأمني مع أجهزة المخابرات المغربية، وذلك مباشرة بعد أحداث شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية باريس، بينما كانت فرنسا حذرة في الإفصاح عن طبيعة التعاون الذي يجمعها بالأجهزة المغربية، إلى أن جاءت هجمات باريس الأخيرة، فما كان من الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلا أن عبر أمام الملك محمد السادس، في لقائهما الأخير، عن شكره للأجهزة الأمنية المغربية على قيمة المعلومات التي قدمتها لنظيرتها الفرنسية، وساعدت في اغتيال العقل المدبر لهجمات باريس، قبل أن يحذو ملك بلجيكا حذو هولاند، ويطلب من الملك محمد السادس المساعدة على مستوى محاربة الإرهاب.
وأظهرت أحداث باريس أن المغرب بات رقما مهما في معادلة محاربة أوروبا للإرهاب، وخصوصا تنظيم "داعش"، بعد أن أصبحت الدول الأوروبية تعلن الواحدة تلو الأخرى أن الأجهزة الأمنية المغربية ساعدتها في إحباط عملية إرهابية أو إلقاء القبض على مبحوث عنه في قضية متعلقة بالإرهاب.
بيد أن هذا التعاون المغربي مع الدول الأوروبية فتح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان المغرب سيصبح في فوهة المدفع في محاربة الإرهاب، ويرفع من تحدياته الأمنية لمواجهة تنظيم "داعش".
وفي هذا الصدد يرى عثمان الزياني، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، أن "التعاون الأمني بين المغرب والدول الأوروبية في مجال محاربة الإرهاب يعتبر ثمرة للجهد الذي بذله ويبذله المغرب في المجال الأمني"، موضحا أن "اعتماد المغرب على إستراتيجية الحملات والضربات الاستباقية مكن أجهزته الأمنية من التوفر على معلومات استخباراتية مهمة، وعلى رؤية أوضح في مجال شبكة الإرهابيين وطرق اشتغالهم وتحركاتهم؛ وهو الأمر الذي يعتبر نقطة قوة المغرب، أي توفره على المعلومة الأمنية".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن "الطريقة التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية المغربية، والقائمة على تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة دون خلق جو من الرعب في البلد، جعل المملكة تتجاوز العديد من المخططات الإرهابية التي كانت تهدد استقرارها"، مواصلا بأنه "بمقياس الفعالية الأمنية، فإن الأجهزة الأمنية المغربية أثبت فعاليتها، سواء على مستوى الخلايا التي تم تفكيكها، أو المخططات التي تم إحباطها".
وكشف الزياني أن الدول الأوروبية كانت تتابع العمليات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المغربية، "والتي تعتبر ناجحة، وهو ما جعل الدول الأوروبية تصل إلى قناعة التعاون الأمني مع المغرب"، مردفا بأن هذه الدول باتت تعلم أن المغرب يتوفر على معلومات أمنية بالغة الأهمية، "وهي في أشد الحاجة إليها؛ لأنه يظهر من خلال تعامل الدول الأوروبية مع الهجمات الإرهابية أنها لم تكن تتوفر على رؤية واضحة، لقلة المعلومات المتوفرة لديها حول تحركات مقاتلي داعش".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "المقاربة التي اعتمدها المغرب منذ ظهور "داعش" لا تتوقف فقط عند ما هو أمني محض؛ بل تم وضع مقاربات مختلفة يتداخل فيها ما هو ديني وتوعوي وروحي مع ما هو أمني"، مقدما المثال بتكوين الأئمة الفرنسيين في المغرب، بالإضافة إلى الأوامر التي أصدرها الملك لوزارة الأوقاف وللخطباء بضرورة إظهار المعنى الحقيقي للجهاد، قبل أن يشدد على "ضرورة استمرار المغرب في اتخاذ كافة التدابير الضرورية لمواجهة المخاطر الإرهابية التي تتزايد يوما عن يوم".
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق