أثارت الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس عددا من ردود الفعل المتناقضة، خاصة في أوساط السياسيين والمفكرين الغربيين، حول أسباب ودوافع الانتحاريين في تنفيذ هذه العملية الدموية التي راح ضحيتها المئات بين جرحى وقتلى.
ونشر الإعلامي والسياسي الألماني يورغن توندهوفر، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رسالة وجهها إلى الشعب الألماني، يؤكد من خلالها أن "السبب الرئيس وراء انتشار مثل هذه العمليات التي تعرضت لها باريس ليس الإسلام، باعتباره دينا للتسامح، وإنما الحروب التي تخوضها عدد من البلدان الغربية في البلدان المسلمة".
وشدد توندهوفر على أن "تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يكون من بين الأسباب، لكن الدين الإسلامي ليس دافعا إلى ذلك"، مؤكدا أن "الغرب قام بحروب قبل ذلك، كالحرب التي شنها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على العراق".
هذه الحرب، يقول الإعلامي الألماني الذي سبق له زيارة أراض تسيطر عليها "داعش"، "قتلت عددا كبيرا من المسلمين، بمن فيهم نساء وأطفال، وتعرض كثيرون للتعذيب؛ فيما لم يهتم المجتمع الغربي لأمْرهم، لأنهم مسلمون". "بشكل يومي يقوم الأمريكيون والروس والفرنسيون بإبادة المدنيين في سوريا، دون أن نحزن عليهم"، يقول توندهوفر.
وتابعت الرسالة التأكيد على أن "الإرهاب الذي زرعه الغرب في منطقة الشرق الأوسط يعود حاليا إلى القارة الأوروبية"، مشددة على أن "الضربات التي تتلقاها ما هي إلا نتيجة الضربات العسكرية التي قامت به الدول الأوروبية هناك، مما يستجوب القيام بتحليل لدور الغرب بشكل صحيح، وكسر دوامة لا نهاية لها من العنف والعنف المضاد"، على حد تعبيره، مؤكدا أن "الوضعية في فرنسا لا تشبه نظيرتها في ألمانيا".
واستدل المفكر الألماني على ذلك بأن "الحكومة الفرنسية لها طابع خاص بالمقارنة مع ألمانيا، باعتبارها قوة استعمارية، قامت بعدد من العمليات العسكرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاضت حروبا في الجزائر ومصر وليبيا ومالي وغيرها من البلدان"، واصفا هذه العمليات بـ"الضربات الوحشية".
وفي سياق آخر، قال الدكتور توندهوفر إن "سياسة إدماج المهاجرين ومكافحة العنصرية في فرنسا قد فشلت، خاصة على مستوى ضواحي المدن، التي أصبحت مرتعا للجريمة والإرهاب"، محملا الرئيس السابق نيكولا ساركوزي مسؤولية ذلك، لانتهاجه "سياسة خارجية عدوانية"، على حد تعبيره.
واستبعد السياسي الألماني أن يكون لبلده المصير المأساوي نفسه الذي لاقته فرنسا، داعيا الحكومة إلى القيام بحلول "عادلة وذكية" في منطقة الشرق الأوسط، من خلال التوقف عن تصدير الأسلحة إلى المناطق التي تعرف حروبا أهلية، والتعاون مع العالم الإسلامي، مشددا على أن الكلمة السحرية في مكافحة ظاهرة الإرهاب هي "التكامل العادل".
واستشهد توندهوفر، الذي كان عضوا في البرلمان الألماني، على سماحة الإسلام بعدد من الآيات القرآنية التي تدعو إلى السلام والتعايش بين الأمم، واصفا التعليمات الواردة فيها بأنها "رائعة"، وأنها لا تدعو إلى قتل الأبرياء كما حصل في باريس، مناشدا القوى الإسلامية المعتدلة في ألمانيا التعاون من أجل محاربة التطرّف.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق